الرئيسية » , , » امرأة خاصمها القدر - القسم الثالث عشر (( 1 ))

امرأة خاصمها القدر - القسم الثالث عشر (( 1 ))

بقلم : صالح سعد يونس - نشر فى : الثلاثاء، 2 يناير 2018 | الثلاثاء, يناير 02, 2018

 (( كثيراً من نرى الأشياء على غير حقيقتها لأننا نكتفى بقراءة العنوان ! ))
                                                هنرى بيرجون


كانت تجلس على كرسى خشبى بالغرفة المقابلة لغرفة زوجة أبيها .. تتبادل الفتيات من حولها أدوار العناية بها وتجهيزها .. تتراقص وجنتاها خجلاً فتطأطئ رأسها .. ترفع اختها زينب رأسها وهى تعلق :
-      لم يأت العريس بعد حتى تطمرى وجهك .
يملأ أذنيها طنين الفتيات من حولها وهن يتضاحكن ويعلقن ويتراشقن بالغمزات واللمزات فيزداد وجهها احمراراً وتتفصد على جبينها حبات العرق فتزيد احتها خديجة من جهدها وهى تمروح على وجهها قائلة :
-      خلاص يا بنات ..سلختن وجهها ! .
كانت ترتدى البذلة الـ(( كبيرة )) والذهب الذى أحضره لها أهل زوجها أمس .. البذلة الكبيرة تسمى الـ(( سد العالى )) وكانت آخر صيحات الموضة .
فوق البذلة استقرت الـ(( سنيبرة )) الكبيرة مدلاّة من العنق المرمرى الرقيق حتى ملتقى الفخذين بالجذع .. وبيدها يبرق الـ(( دملج )) الذى ابتلع اليدين النحيلتين فيما برزت وشمةٌ لشمسٍ ساطعةٍ عند رسغها الأيمن .. تلك كانت وشمة قديمة لكنها لم تك ظاهرة لأنها المرة الأولى التى تظهر فيها وهى تلبس (( سورية )) .. ووجهها أضحى من كثرة الألوان حديقة غناء مزهرة بألوان شتى .
كانت حناجر النساء فى الصالة تصدح بالألحان المتوافقة مع طرقات الـ(( دربوكة )) الفخارية الحمراء .. يهدأ الغناء قليلاً .. ترفع إحدى العجائز عقيرتها بغناوة علم وحين تنتهى يرتفع الإيقاع وتتصاعد الألحان متوافقة مع فحوى الغناوة من جديد .
دخلت أمها لتطمئن على ابنتها العروس ولكنها ما كادت تخرج حتى دلفت خالتاها وزوجة خالها هيبة تلقيان فى أذنيها حزمة من التعليمات .
أخرجنها إلى الصالة .. من ذراعها اليمنى تمسكها خديجة ومن اليسرى زوجة خالها بينما زينب تدور حولها ممسكة بالمبخرة التى تصاعد منها دخان الـ(( جاوى )) ولسانها يلعلع مزغرداً .
قدم الموكب من بعيد .. خمس سيارات تتوسطهن سيارة العروس التى زينت بالبالونات والشرائط الملونة بيد أن البالونات كانت متفرقعة كلها بفعل الحر والريح والمسافة
الطويلة .
كادت تتهادى من الخوف حين اقتربت أبواق السيارات وانقبض قلبها .. بدأ العرق يتدفق غزيراً وانفصلت ركبتاها فلم تكد تقوى على النهوض .. أمسكتها أختاها زينب وخديجة بقوة وهما تلقيان على مسمعها كلمات التشجيع بينما ازدادت الهمسات من خلفها مستهزئةً ضاحكة .
فى بيت أهل العريس أجلسوها على كرسىٍ خشبىٍ مغلفٍ بجلدٍ رقيقٍ أسود وهى ترتعش خوفاً .. ترى مئات العيون مسلطة على وجهها تحرقه بنظرات مختلفة التفاصيل والعرق لا تنفع معه المراوح اليدوية فيزداد انهماراً على تفاصيل جسدها .

كل ذلك لم يك شيئاً أمام إحساسها بالغثيان حين ارتفعت أبواق السيارات معلنة قدوم العريس . 

--------------------------------------------------------------------------

صالح سعد يونس
كاتب وباحث
مؤسس الموقع
| يمكنك متابعتي على: | | | | .
---------------------------------------------------------------------------

إرسال تعليق