الرئيسية » , , » امرأة خاصمها القدر - القسم السادس عشر (( 4 ))

امرأة خاصمها القدر - القسم السادس عشر (( 4 ))

بقلم : صالح سعد يونس - نشر فى : الثلاثاء، 3 مارس 2020 | الثلاثاء, مارس 03, 2020

بعد ساعةٍ كان يسير وقد وجد لقدميه طريقاً واضحاً ولفكره وعقله هدفاً محدداً .. ولد فى خاطره طفلٌ مرحٌ مقبلٌ على الحياة بكل تفاصيلها .. ذلك تماماً ما ارتسم بوضوحٍ على ملامح وجهه خلال ابتسامةٍ عريضةٍ زينت شدقيه ومشيةٍ خفيفةٍ وهندامٍ نظيفٍ على الرغم من شىءٍ من التوجس صاحبه فى مشيته تلك .
تراكض نحوه الأطفال حين رأوه مقبلاً من بداية الشارع .. سلم عليهم وقبلهم بأشواق عاطفةٍ ملتهبة وحمل الصغيرة بعد أن وزع عليهم قوالب الـ ((حلقوم )) . 

رنت إليه سدينا وهى تقف أمام البيت تتحدث مع فجرية لتبديد الوقت واغتيال إحساسٍ ثقيلٍ بالوحدة .. بدت مرتبكةً حين رأته مقبلاً حاملاً البنت بين ذراعيه يهمس فى أذنها مداعباً ويقبل فيها وجنتين متوردتين .. استأذنت من جارتها غير أن الأخيرة رمت على مسامعها بسؤالٍ غير متوقع :
-      ما قصتك مع هذا الرجل ؟! .
أجابت شزراً وقد وخزها المعنى المختبىْ بين الكلمات :
-      بعدين بعدين نحكى لك .
واندفعت للداخل وهى تحدث نفسها بحنق : (( يا لطيف عليك هرجة ولية .. ماذا تظن بى هذه ............... ؟ ))
دخلت الصغيرة تركض ومن خلفها الولدان فازداد وجيب قلبها وهم يخبرونها بأصواتٍ مختلطةٍ بأن أباهم يريدها .. لم تدر كيف تصنع ؟ .. ماذا تفعل ؟ .. وما زاد من ربكتها كلام جارتها المدهون باتهام لم يك فى واقع الأمر خفياً .. والأسطى نفسه ارتبك أكثر وتغضن جبينه من نظراتها السمجة وهى تتقهقر راجعة نحو باب بيتها .
خرج الولدان متدافعان وأخبراه بأنها تطلب إليه الدخول .. ولج تاركاً الباب مفتوحاً ودلف إلى المربوعة التى أشعل نورها برغم الضوء المتدفق من نافذتها .. جلس قبالة الباب وقد وصل الخفقان إلى نحره .. يداه ترتعشان وأنفاسه تتراكض كأنما قطع الطريق جرياً .
دخلت وهى تطمر وجهها بين رواقى المحرمة البيضاء ذات النقوش البنية .. سلمت عليه وهمت بالخروج لتعد له الشاى غير أنه رفض وأصر على أن تجلس .. اقتعدت طراحيةً قرب الباب مطرقةً متلهيةً بحك كفيها حيناً وحيناً آخر بفرش المنديل وطيه بينما حشد الرجل كل عواطفه وبدأ بالكلام :
-      سدينا أنا جئتك بكلام أبتر وقصير .. إن أعجبك كلامى كان المنى وإن لم يعجبك رديه فى جواه ....................
-      خير ان شاء الله .. ماذا لديك ؟
-      لقد افترقنا منذ سنة ونصف أو أكثر .. كانت غلطة .. والحق أنها غلطةٌ كبيرة .. الشيطان دخل بيننا ففرقنا ولكنى جئتك الآن لنصلح الأمر .. ليس من أجلى ولا من أجلك بل أجل الأولاد .. لنلعن هذا الشيطان الرجيم ولنبدأ صفحة جديدة .. حياةً جديدةً نبنيها سويةً ونعيشها مع عيالنا نربيهم ونعلمهم ويكون كلانا غطاء للآخر .
-      ...................................
-      أعرف أن الأمر صعب بالنسبة لك وأعرف أننى ظلمتك ولكن أعدك بألا يتكرر ذلك .. والله يا سدينا لقد مررت بظروفٍ عصيبةٍ من بعدك وأعلم أنك ذقت المر أيضاً .. إلعنى الشيطان يا بنت الناس وأنا مستعد لكل طلباتك .
-      .....................................
-      أريد جواباً .. هل انعقد لسانك .. لن أضغط عليك قولى موافقة أو لا وسأنصرف لحال سبيلى .. فقط فكرى بالأولاد .
لم تجب وتركت الدموع التى ملأت عينيها تنسكب بهدوء ولكنه كان يرى ارتعاشة يديها وهى تحاول ألاّ تظهر ضعفاً فتتظاهر بمسح أنفها .

خلال ذلك كان الولدان يجلسان قرب أبيهما يتهامسان ويلعبان بينما كانت نجية تجلس عند قدميه وترنو إلى أمها بصمت . 
 --------------------------------------------------------------------------

صالح سعد يونس
كاتب وباحث
مؤسس الموقع
| يمكنك متابعتي على: | | | |
---------------------------------------------------------------------------

إرسال تعليق