مع انبثاق قرص الشمس نهضت سدينا .. غسلت وجهها سريعاً .. فتحت
السكرية وألقت بفمها بعض السكر كما هى العادة .. تلذذت بقرمشته فهى لا تعشق شيئاً
قدر عشقها لقرمشة السكر عند كل صباح .. ثم خرجت .
إستيقظت أختها على صرير الباب وهو ينغلق .. كان فراش سدينا خالياً ..
بقيت متربعةً فى فراشها وهى تردد بعض الأذكار بصوت جهور .
طفقت سدينا وهى مدثرةُ بـ(( فراشيتها )) البنية الباهتة ومنتعلةً
حذاءً جلدياً ليناً تقطع المسارب حتى وصلت إلى الطريق الرئيسى المعبد المتجه إلى
وسط المدينة .. تلك هى أول مرةٍ تخرج فيها .. لم تك فى السابق تجرؤ على الخروج حتى
عتبة الباب إلا بإذن من زوجها .. أما الآن فقد اضطرتها الفاقة إلى الخروج بحثاً عن
عمل .
فى السابق كان مردود تجارة التنانير مع ما يجود به الأسطى مرضياً ..
إستطاعت سدينا من تجارتها تلك أن تؤثث البيت الذى كانت تتسكع به الريح .. كان
فارغاً حين تزوجها الأسطى فلا شىء به سوى فنار وحصير أصفر عتيق وسحارية وبعض
الثياب الرجالية .. لكنها كانت صبورة فبدأت ببناء التنانير وبيعها عن طريق الحاجة
مرضية أو عن طريق الجيران الذين كانوا يدلون طالبى التنانير على بيت الأسطى محمد
.. ثم بدأت مريم تعتاد الذهاب بها إلى السوق ومن ثمنها أثثت المرأة المنزل ووفرت
بعض الحاجيات .. أما الزوج فلم يك يهتم بغير توفير الطعام والشراب والكساء فى
أحيان قليلة جداً عندما يشتد الهرج والعراك بينه وبين زوجته حول العيال .
الآن لم تعد تجارة الفخار تفى بالغرض سيما وأن الناس بدؤوا يتجهون
لشراء الخبز من المخبز الذى افتتح قبل بضعة شهور فى المدينة وربما مع الوقت ستفتتح
مخابز أخرى وسيقضى على التنانير وخبزها .
البارحة غسلت مريم الصحون بالـ(( عوين[1]
)) بعدما نفد الصابون .
(( لابد أن أجد عملاً .. يا رب سترك وعفوك )) .. ذلك ما جرى بخاطرها
وهى تطوف على المدارس والمؤسسات وحتى المعسكر القابع بالسوق الفوقى قصدته بحثاً عن
لقمة عيش .
إستيقظت مريم على شقشقة العصافير .. إلتفتت يميناً .. كان الأولاد
نياماً .. وفى أقصى الغرفة كانت خالتها تقرفص وهى تحشو الـ(( نشوق )) فى أنفها ..
تعطس .. ثم تمسح بالمنديل الأزرق الموشى ببعض النقوش :
-
صباح الخير يا خالتى .
-
صباح الخير .
-
كيف اصبحت ؟
-
صبحك ع الخير .
خرجت إلى المطبخ .. العجينة التى عجنتها البارحة قبل أن تنام مازالت
فى الركن .. إنداحت الأسئلة على لسانها وهى تحشو التنور بالحطب .. أيقظت سعد وهى
تقبله بلطفٍ وتسأله :
-
سعد .. هيا يا سويدى .. هل
تستطيع أن تذهب إلى المدرسة ؟ .
تكاسل الصبى .. نبرت خالتها مريم بخفوت :
-
خليه راقد خليه .. لا حر لا شر
عن كان غاب .
تركت الولد وانصرفت تعد لخالتها كوباً من الحليب الساخن .. قدمته لها
مع كسرة من الخبز الطازج .. سألت الخالة :
-
أمك وين ماشية فى هالصبح ؟ .
-
والله مانى عارفة .. ربما ذهبت
للسوق .
-
أى سوق ..؟!.. السوق بعد بكرة .
-
ربما قصدت سوق الخضار .
-
هيه وقت شين اللى سدينا اضطرت
فيه للخروج من البيت فى الفجور !! .
نكست رأسها .. خطر لها أن تتفحص أخاها المصاب فوجدته يحملق بها كجرو
شقى .. ضحكت بصوت مسموع وهبطت على خده بقبلة افئة وهى تقول :
-
هل تحس بشىء ؟.
إبتسم الولد وهو يهز رأسه علامة النفى ثم استدار على جنبه الأخر
فداعبت مؤخرته وهى تهمس :
-
هابا عليك زر .. قبل حوتك متت
يالغضيب .
عند الضحى رجعت سدينا من مشوارها وهى تلح متأففةً من الحر .. رمت
بالفراشية جانباً ومدت رجليها بجوار شقيقتها على الـ(( تازير )) العتيق بالمنور
والعرق يتصبب غزيراً على وجهها .. طلبت من مريم كوباً من الماء وهى تمسح وجهها
وتمروح بيديها طلباً للهواء البارد :
-
ووووووه عليك حر .. هذا الربيع
فكيف سيكون الصيف ؟.
-
هذا شهر أبرير .. (( ردت أختها
)) .
لم يجد الماء ولا المنديل فى طرد العرق الذى تسربل مع ظهرها ففكت
عقدة ردائها وطوحت به خلفها .. بدت ظفيرتاها المخضبتين ملتصقتين من الخلف مشكلتان
نصف حلقة مطوحة نحو الأسفل .
إرسال تعليق