الرئيسية » , » رحاب عثمان شنيب وفستانها الأبيض

رحاب عثمان شنيب وفستانها الأبيض

بقلم : صالح سعد يونس - نشر فى : الاثنين، 9 ديسمبر 2013 | الاثنين, ديسمبر 09, 2013

الفستان الأبيض – للقاصة – رحاب عثمان شنيب وهى أول بواكير الكاتبة فى عالم القصة .
ضمت المجموعة بين ضلفتيها أربع عشرة قصة قصيرة تميزت فى عمومها بشدة القصر والإرتباك المضطرد بين أسلوب كتابة القصة وفنونها وبين أسلوب كتابة المقالة وهو ما أوقعها فى كثير من الأحيان فى التقريرية والمباشرة .

القصص فى مجملها تنتمى إلى المدرسة الواقعية وقد انتهجت الكاتبة أسلوب الراوى العليم الذى يصف ويحلل كل شىء .. أما الموضوعات فقد غلب عليها الطابع الإجتماعى حيث تبرز العديد من السلبيات التى تسود مجتمعاً شرقياً بتركيباته المعقدة .. فنرى الظلم الإجتماعى والمرأة المقهورة تسيطران على مجمل النصوص وتفوح رائحة الواسطة والفقر ونلمح تفاصيل الرجل الشرقى ونظرته للمرأة .. والخوف من كل خطوة مواضيع تسيطر على هواجس الكاتبة فتسكبها حروفاً وكلماتٍ وجملٍ حاولت من خلالها أن تنسج مجموعة من الحكايات القصيرة .
من الناحية الفنية فإننا لا نستطيع اعتبار هذه المجموعة بالمجموعة القصصية الكاملة إذ أن الكاتبة تبتعد فى معظم النصوص عن الأسلوب القصصى والحبكة الفنية محاولة التركيز على إبراز الموضوع بطريقة مباشرة فبدت النصوص أقرب إلى المقالة منها إلى القصة .
كما غابت عن المجموعة عموماً عناصر أخرى مهمة من أبرزها عنصر المفاجأة لكن هذا لا ينفى امتلاك الكاتبة لمهارات وأدوات كتابة القصة ولكنها لم تمنحها الوقت الكافى لتختمر وتنضج وبما يكفى لإنتاج أعمال فنية مميزة .
وقد حاولت الكاتبة أن تتبع أسلوب السهل الممتنع وهو أسلوب حسن مرغوب بشدة فى هذا الجانب فابتعدت عن المغالاة فى الوصف وعن الإسراف فى الكلام لكن الكثير من القصص حملت تكراراً فى الكلمات والجمل بلا مبرر .. كما عملت على تكثيف عباراتها فجاءت بعض الأعمال فى غاية الروعة كما فى قصة المرآة والوشاح الأسود .
ونرى خجل الأنثى – ربكة البدايات الحالمة – وحلم الظهور بخجل وخوف المجتمع والإحساس بخطيئة لم ترتكب تسيطر على أحاسيسها فى أولى نصوصها .. أما الرجل فيبرز فى صورة المفترس الذى يترصد ويحبك وينسج الخيوط ليوقع بفريسته فتربط بينه وبين العنكبوت فى قصة العنكبوت وفى قصة إعتداء على إشارة مرور .. وفى القصتين أيضاً نجد المرأة ضعيفة مسكينة .
ونسمع طبول الدجالين وتعاويذهم فى قصة الفستان الأبيض التى تتحدث عن العنوسة وعن الإحساس الأليم الذى يحطم المرأة الشرقية فى مجتمع لا يرحم ويعزو كل شىء إلى السحر ونحوه .. لكن تركيز الكاتبة على إبراز الموضوع وإغفالها للجوانب الفنية أوقعاها فى المباشرة .. تقول ضمن قصة الفستان الأبيض :
-        كانت دردشاتنا ملىء بأمل مسن يخطو نحو الأربعين من عمره , لنصطدم بكلمة عانس فتخرق صميمنا ولا نجد فى نهاية المطاف إلا البحث عمن يفك لنا هذا السحر , وبدانا نتذكر أسماء الشيوخ والرجال الصالحين الذين لست أدرى إن كانوا صالحين , وكلماتهم تصل إلى أبواب السماء أو تصل إلى آذان الجن .
أما روعة أعمالها فقد تبدت فى قصة المرآة .. القصة الواقعية شديدة الوضوح .. والتى كتبت بأسلوب السهل الممتنع فبدأ كل ما فيها واضحا يفسر نفسه بنفسه .
تروى القصة حكاية رجل فقير نخر الجوع أعضائه وهد كيانه لدرجة انه ينكر صورته حين يشاهدها فى المرآة !! .. وتأخذه الأفكار وهو واقف أمامها فيتذكر صديقه اليتيم الذى يعول إخوة صغارا ومع ذلك فهو يعمل ويكد ليوفر لهم بعض ما يسد الرمق .. وهنا يكمن جوهر القصة وهنا يتجلى الفارق بين رجل فقير ولكنه لا يسعى للعمل ويريد الحصول على كل شىء بسهولة فيضطره هذا إلى ارتكاب الآثام فيسرق ويكذب ويغتاب .. وبين رجل فقير ولكنه يعمل ويكد ليقهر الفقر .
وللأحلام دورها الذى لا يمكن إغفاله فى القصة .. فالحلم هو وسيلة العاجزين فى مثل هكذا ظروف فيتخيل نفسه وهو فى الفردوس وفوق العرش ومن حوله الخدم والحشم .. لكنه ما إن يرفع رأسه حتى يصطدم بالمرآة فتعيده إلى واقعه المر .
كما يبرز الضمير فى صورة الميزان الذى يحرك الساكن ويأتى إليه بذنوبه .
القصة ترسم ملامح مجتمع بأسره فالبطل هنا ليس سوى رمز لمجتمع بأكمله نخره العجز والفقر والذنوب .
لقد وفقت الكاتبة فى تصوير المشهد بأسلوب سهل ممتع فصورت لنا حكاية ذلك الرجل الفقير مع مرآته بأسلوب قصصى وبأدوات كاتبة تضع خطوات واثقة على درب كتابة القصة .

فى النهاية أعتقد أننا أمام قلم يلتمس خطاه بجد فى عالم القصة وهو قادر على إنتاج أعمال فنية فى غاية الروعة وصوغ تحف فنية راقية لو منح نفسه وقتاً أطول فى التركيز على القراءة وتنويعها مع منح الجوانب الفنية قدراً من الإهتمام .. ويبقى أن أشيد بقلم الكاتبة رحاب عثمان شنيب لجرأتها على اقتحام عالم الكتابة عموماً والقصة خصوصاً .. فالقصة ليست بالمجال السهل والدخول فى عالمها ملىء بالشجن كما أنه ملىء بحب الإكتشاف والتعلم والمغامرة . 

إرسال تعليق