الرئيسية » , , » امرأة خاصمها القدر - القسم الثامن (( 3 ))

امرأة خاصمها القدر - القسم الثامن (( 3 ))

بقلم : صالح سعد يونس - نشر فى : الاثنين، 11 نوفمبر 2013 | الاثنين, نوفمبر 11, 2013


سدينا كذلك لم تنم .. إضطجعت على شقها الأيسر متوسدة كلتا يديها فسمعت وجيب قلبها المضطرب يتردد فى الغرفة المظلمة .. إنزلق الدمع من العينين .. فوق الكتفين المتشابكين .. ثم بدأ ينحدر فى خيط طويل يمتد حتى إبرة المرفق .
 قد صارت الآن وحدها .. الكل نيام والديكة تتبارى معلنة قدوم تباشير الصبح .. آن لها أن تتعرى من بأسها .. أن ترمى رداء البطولة .. قد أصبح بمقدورها أن تبكى وتسفح الدمع .. إنقلبت على جنبها الأيمن .. رنت إلى الطفلة النائمة بنظرات حانية ثم انكبت عليها تحضنها بقوة حتى سال الدمع على وجه البنت فاستيقظت باكية .
 ضمتها بقوة .. صمتت .. لكن مريم التى أغلقت عينيها فى وقت متأخر صحت كذلك .. تنهدت بعمق .. سحبت الغطاء على جسد أخيها سعد وأغلقت جفنيها .
 فى الصباح جاءت خالتها مريم بعد أن سمعت بالخبر .. أحضرت رغيفين من الخبز وقالوناً من اللبن .. لكنها لم تحضر غير ابنتها الصغيرة (( عالية )) التى تصغر سعيد ببضعة أشهر .
 وجدت مريم نفسها محاصرة بين حزن مر وهم ثقيل كالجبل .. الغم رقد على قلبها بجبروت .. بطش به .. أتلفه .. رنت إلى شوال الطفلة المركون بزاوية المنور .. إلى التنور الذى تركته قبل أن تتم (( بناءه )) فتشقق .. وكان حضور خالتها برغم ثقل طبعها ولسانها الطويل فى هذا الوقت كما الغيث انهمر على أرض يباب .. خالها هيبة كذلك جاء قبيل الغداء .. تحدثوا طويلاً .. تغدوا .. ثم انصرف هيبة . فى العشية اختنق المنور بنساء الحى .. هنية أحضرت رغيفاً من الخبز وخديجة جاءت ببعض الجبن والزيتون .. أما الحاجة مرضية فقد جلبت معها بعد أن باعت تنوراً بعض الخضار فيما أحضرت ناجية بعض التمر والكعك .
 نقلت مريم العدالة إلى أمها .. جلست سدينا خلفها وبدأت بإعداد الشاى الأحمر .. أعدت مريم لهن الزميتة وخبز التنور والجبن والزيتون وكأساً بلاستيكية مملوءة باللبن ثم جلست إلى جوار أمها وقد ربطت رأسها بمحرمة سوداء لمحاصرة الصداع الذى يكاد يشق رأسها إلى نصفين .. ورغم ذلك فقد كابرت على الألم وبدت كغزالة وهى تتنقل وتطوف على النساء بأكواب الشاى .
 كن يتحدثن فى أمورٍ كثيرةٍ .. فى البدء انفلت لسان الحاجة مرضية يتحدث عن زوجة الأسطى الجديدة .. قالت وهى تضع كفها فوق حاجبها الأيمن وتقرص عينها :
 - الولية التى تزوجها محمد قالوا ما تضناش !.. راجلها ميت وهى تعيش مع حماها غير المتزوج !! .
 - هل حضرت العرس ؟ (( سألت مريم أخت سدينا )) .
 - لم يك عرساً .. بعد ما شاب ودّوه الكتّاب ! .
 - هل هى جميلة يا عمتى مرضية ؟ (( قالت هنية )) .
 - فرقت سماحتها الـ.............. محمد طايح سعد من يومه .. غاضب عليه ربه ! .
 تنحنحت خديجة .. لاحظت ضيق سدينا فغمزت للعجوز .. لم تفهم الأخيرة الإشارة فلكزتها ناجية فى جنبها .
 إصفر قرص الشمس .. مال قليلاً .. تكاسلت حزم النور الأصفر .. تسلق سعد فوق الزنك بهدوء .. صوّب قنينة صغيرة كانت فيما مضى قطرة تداوى بها أمه عينيها بعد أن ملأها بالماء نحو وجه العجوز مرضية .. فى حين كان سعيد ونجية يندسان إلى جانب أمهما .. ضغط الولد الشقى على القنينة البيضاء المصنوعة من اللدائن فانطلق سهم مائى أصاب وجه العجوز .. مسحت خيط البلل وهى تقول : - الخبر ايسمه .. الميّة منين تجى ؟!! .
 ضغط الصبى ثانية لكنه لم يتمالك ضحكته ففطنت له النساء .. نبرت مريم وهى ترى إليه يصلب طوله ويعود مهرولاً فوق السطح الصفيحى فيدوى الزنك تحت وقع قدميه :
 - إنزل يا ولد .. إنزل . 
 وقفت سدينا وهى تهتف بغضب وحرج ظاهر :
 - إنزل يا فرخ الحرام .. والله نعطبها على خشمك .. توّا نحك لك فلفل فى ......................! .
 ضحكت النسوة حتى طفحت أعينهن بالدمع : - لابد أنه سعد بو العراقيب !. تساءلت الحاجة وهى تقرص عينها وتعيد وضع كفها اليسرى على حاجبها :
 - عويل غضب (( نبرت هنية )) .
 عقبت خديجة كذلك :
 - العيل هو لونه .
 - أقطع مصروفه (( إستنكرت سدينا قبل أن تستدرك بلهجة حادة )) الله لا يكثرهم على مسلم .
 همت بالوثوب من فوق العدالة لملاقاة الصبى من خلف البراريك غير أن قرقعة كبيرة دوّت فى الخلف وانتهت بصراخ طويل .
 إنزلقت قدم الولد فوقع من فوق السطح لكن الحطب المكوم خلف البيت خفف من إصابته بحيث غنزلق فوقه وتدحرج حتى استقبلته الأرض المنثورة بالحصى والأحجار لكن ذلك أيضاً أصاب ساقه اليسرى بشدة وانكسر أحد الأعواد ليحفر فى لحم ساقه .
 هبت النساء للإطمئنان عليه .. كان مغبراً وملطخ الوجه واليدين .. وسرواله تمزق حتى بانت عورته .. إنفتق قميصه .. سال خيط من الدم من شفته السفلى وامتزجت دماء الساق مع التراب فيما تناثرت على يديه ووجهه بضعة جروح خفيفة .
 أنهضته والدته من فوق الأرض .. إطمأنت إلى أن إصابته ليست بالخطيرة فلطمته على وجهه ورأسه ثم أمسكته من أذنه وذراعه الأيسر وأدخلته بينما تتراكض خلفها ضيفاتها وهن بنهينها ويواسينها .

إرسال تعليق