الرئيسية » , , » امرأة خاصمها القدر - القسم الثامن (( 2 ))

امرأة خاصمها القدر - القسم الثامن (( 2 ))

بقلم : صالح سعد يونس - نشر فى : الاثنين، 11 نوفمبر 2013 | الاثنين, نوفمبر 11, 2013


مع ولوج الصبح تسكعت إشاعة فى الحى مفادها أن الأسطى محمد قد تزوج .. كذبت مريم الخبر وهى تتلقاه من فم هنية .. لم تدر كيف ستفاجىء أمها بخبر كهذا .. لكن هنية التى بزقت الخبر فى وجهها عندما مرت بها وهى تكنس أمام البيت ما لبثت أن عادت بعد لحظات وبزقته ثانية فى وجه سدينا .. سدينا ضحكت حين تلقفت النبأ من فم هنية وعلقت :
 - يييييييييه قال الذيب .
 كانت تحاول إخفاء ما جاش فى صدرها تلك الحظة وقد بدت متماسكة حتى أن هنية وابنتها مريم لم يلحظا عليها شيئاً وهذا مدعاة للعجب .. لكن الخبر قد أناخ على قلبها وسحله .
 بكت مريم حين انفردت بنفسها فى المطبخ تعد الغداء سيما حين أحست بغريزة الأنثى أن أمها تكابر .. تمارس الخديعة ليس أكثر .. قالت : (( ينزرف .. ودّه يزّوز ودّه يقعد )) .. لكن دمعة كبيرة قفزت من عينها إلى عين مريم .. مريم رأتها وتذوقتها .. مرة كانت .. أشد مرارة من حنظل مطبوخ .. تمنت لو أن أمها ضعفت وبكت .. ودت لو غضبت وحطمت .. بيد أنها لم تفعل أى شىء .. كظمت فى نفسها الألم وواصلت باستهزاء :
 - هل ستحتمله مثلما احتملته ؟ .. هذا الشوال الأجرب .. طريق اللى موتوا .
 لم تنزل بجوف مريم لقمة واحدة .. لا غداء ولا عشاء .. أما سدينا فقد تظاهرت بالأكل مع الأولاد فى وجبة الغداء ثم بعد ذلك تظاهرت بالمرض .. حين انفلت الرباط عن الجرح تظاهرت بالمرض ورقدت فى فراشها تبكى بصمت .
 مريم لم تستطع أن تتماسك .. ظلت تبكى .. بكت فى المطبخ وأمام أمها وهى تجلس خلف العدالة والأطفال يتصايحون حول قصعة الـ(( رز الجارى )) وقد تلطخت أفواههم وملابسهم .. كان القطر ينثال من عينى الفتاة كبيراً صامتاً .. أمها لاحظت ذلك .. إستطعمته كذلك لكنها حتى لا تفضح نفسها تتلهى بزجر الصغار قبل أن تنهض وتشغل نفسها بإطعام الصغيرة .
 نامت الصغيرة .. سعيد أيضاً نام .. بينما بقى سعد متكاسلاً ممدداً تنحدر من طرفى عينيه قطرات صغيرة وهو يتثائب رغماً عنه ويحك عينيه ليطرد النعاس :
 - إنهض .. إذهب إلى فراشك .. وراك مدرسة يا طيح السعد ! .
 قالت أمه قاطبة الوجه لكنه أشاح بوجهه إلى الجهة الأخرى وأدنى منها عجيزةً متكاسلة .. أغلق عينيه .. نام . إنصرفت مريم إلى غسل أوانى العشاء .. لحقتها أمها بعد أن نقلت الأطفال إلى فرشهم وغطتهم حاملة الكانون الذى خبت جمراته وتدثرت بالرماد .. وضعت الكانون بجانب النار التى هدأ لهيبها .. دخلت المطبخ لتجد مريم تغسل الصحون وتذرف الدمع .. طمرت الفتاة وجهها .. جففت الدمع الجسور فيما تظاهرت سدينا بأنها لم تفطن لشىء .. تظاهرت بأنها قدمت لتملأ القدح المعدنى بالماء ثم خرجت . دخلت مريم الفراش لكنها لم تنم .. ما وقع كان حرياً بأن يجعلها تمقت الحياة بل وتتجرأ على طلب الموت .. تغمض عينيها متمنية ألا تفتحهما ثانية !.
 سيدها كان قد هجر البيت منذ خمسة أشهر .. هو وأمها كانا مثل قطبى مغناطيس .. جمع ثيابه فى صرتين وحقيبة جلدية صغيرة .. أخذ الحقيبة وترك الصرتين .. ظل يتنقل بين بيوت أبناء عمه أياماً ثم جاء وأخذ ما بقى له من أغراض .. لم يك يتغيب عنهم كثيراً لكنه كذلك كان مصمماً على عدم التراجع وها هو الآن يتزوج ليبنى سوراً عالياً ويسيجه بالأسلاك بينه وبين سدينا .

إرسال تعليق