فى صباح اليوم الثالث
ذهب الأسطى وزوجته قاصدين قرية الفائدية·لتقديم واجب العزاء
فى وفاة عجوزٍ من قبيلة سدينا .. قرابةٌ بعيدةٌ لكن ذلك لا ينفى القيام بالواجب ..
إستأجرالرجل سيارةً .. وفى
طريق العودة رأى أنه من الواجب أن يمر على آل بو شوال ليسلم عليهم ويرى إلى أين
وصل مشروع بنائهم لبيتهم الجديد .. كان الجو خريفياً .. والسماء مربدةٌ تنذر بهبوب
القبلى .. الأشجار بدأت تتعرى من وريقاتها فظهرت أغصانها متشعبةً فى كل الإتجاهات
.
وجد الأسطى تلك
العائلة قد سكنت منزلها الجديد .. مازالت بعض الأعمال جاريةً فيه لكن القسم
الداخلى المؤلف من غرف النوم والحمام
والمطبخ والصالة قد انتهى .. رحبوا بهم أيما ترحيب .. وأصر بو شوال وامرأته ((
صباح )) على بقائهما لوجبة الغداء :
- عوذوا بالله م
الشيطان يا راجل ..!.. (( هتف محمد )) .
- لقد حلفت وكفى .
أحس بحرجٍ كبيرٍ غير
أنه دفع للسائق أجرته وأنزل زوجته ودخل .
كان المضيف وزوجه
كريمان طيبان .. أولما لهما وليمةً فاخرةً .. وحين رجعا أخبرتهما مريم بأن خالها
هيبة قد حضر فى الصباح ليخبرهم بأن مبسوطة انتقلت إلى بيتها الجديد .. فأخذاها هى
والأولاد وانطلقوا يبحثون عن المسكن الذى سرعان ما استدلوا عليه .
فرحت بهم مبسوطة
وزوجها وأولادها فرحاً كبيراً .. كانت مريم كذلك قد سبقتهم بأولادها إلى هناك .
كان بيتاً صغيراً
لكنه أفضل بكثيرٍ من بيت المنصورة .. وقد أحضرت سدينا بعض الخبز والقمح واللبن
أعطته إياها صباح أما مريم فلم تحضر شيئاً غير كيسٍ من الحلوى .
عادوا فى الليل
سيراً على الأقدام .. كان الأسطى يسير فى المقدمة ومن خلفه زوجته تقود الإبن
الأصغر .. أما مريم فكانت تسير وراء أمها حاملةً اختها النائمة .. بينما يتقافز
سعد بين أبويه ومريم وقد أثقل النعاس عينيه لكن قلبه عامرٌ بهوس طفولى لذيذ .
نام الأولاد فور
وصولهم .. جلس الأسطى على طرف الحصير الأصفر الممزق يدهن أديم يديه وذراعيه بزيت
الزيتون .. يحك الجلد الذى بدا يابساً متقشراً غليظاً كجلد تمساح .. يلح وهو يحك
بقوة .. ثم يسكب الزيت فوق الجلد ويدلكه .
أما مريم فقد دخلت
لتستحم على ضوء الفنار الصغير بينما كان الكبير معلقاً فى الغرفة عند الباب بحيث
يضىء الغرفة والمنور معاً .. أما الفنار الأزرق الجديد فقد جعل فى غرفة الضيوف .
سمعت صوت امها
وسيدها يعلو .. تدفق القلق إلى صدرها .. بات قلبها يعلو ويهبط .. تثاقلت أنفاسها
.. إرتدت ثيابها على عجل .. فتحت الباب لتسترق السمع .. لم يك هناك من هرج .. فقط
زحير أمها وبكاء الطفلين سعيد ونجية بينما كان سعد يغط فى نومٍ عميق .. أما الأسطى
فقد أغلق على نفسه باب المربوعة ..... ونام .
إرسال تعليق