كانتا تجلسان بالشوط
الجنوبى العلوى من السوق .. تجلس عن يمينهما بمسافةٍ ليست بالطويلة الحاجة مرضية
خلف تنورين كبيرين وآخرين صغيرين .. أما البنتان فكان أمامهما أربعة تنانير
ومبخرتان وكانوناً متوسط الحجم لفايزة .
أمس .. حين جاءت
فايزة إلى منزل مريم وجدت تنوريها مازالا رطبين :
- مازالا طريان ..
(( قالت فايزة )) .
- بنيناهما اليوم ..
هذا (( نبرت مريم وهى تشير إلى التنور الكبير )) بنته أمى البارحة وأتممناه فى
الصباح ..........
- هذا يعنى أنك لن
تذهبى معى غداً ..؟.
- لا أظن .. لا
أستطيع الخروج إلى السوق بدون بضاعة .. عمتك سدينا لن ترض .
عقدت الأخرى حاجبيها
وقد بدا الإمتعاض على ملامحها .. خلبت كومةً من الأوراق والكراتين كانت بسطل
القمامة .. حشتها فى التنور .. أضرمت فيها النار بينما مريم تنظر إليها بصمتٍ وقد
ظهرت على طرف شفتيها ابتسامةٌ خفيفةٌ .. خرجت إلى خلف الكوخ حيث يوجد الحطب ..
أحضرت كومةً .. بدأت بتغذية النار وهى تقول قارصةً عينيها بفعل الدخان الذى بدأ
يتصاعد :
- سأجففهما .. يجب
أن تذهبى معى .. لن يسمحوا لى بالخروج بدونك .
همت بإشعال النار فى
التنور الآخر حين خرجت سدينا وقد وصلتها فى حجرة الجلوس رائحة الدخان .. نظرت إلى
البنت مستغربةً :
- فيش تْديرى يا
بنيّة ..؟!.
إنتصبت وقد احمر
وجهها .. تداركت مريم الموقف فقالت :
- تريدنى أن أذهب
معها غداً إلى السوق .
- أنا أجففهما فقط
يا عمتى .. (( تدخلت فايزة موضحةً )) .
- عمى عيونك يا حنّة
وافضح مكنونك .. وعطك ما يْهد سْنونك .. إيوة .
ضحكت مريم .. ابتسر
وجه فايزة حرجاً .. إستدركت سدينا وقد بان على وجهها التهكم :
- اللى يسمعك وانت
متلهفة ع السوق يقول هذى تبيع بعبد وخادم ..!!.
نكست الفتاة رأسها
وقد صار وجهها مثل حبة طماطم .. بينما سارت المرأة نحو شوال الفحم المسند إلى
زاوية المنور القبلية .. عبأت السطل المعلق فى خشبة المظلة فوق الشوال .. وزعت
الفحم على التنورين
وهى تزحر وتتنحنح:
- ييه عليك مكاتيب .
... قفلتا قبيل
الظهيرة راجعتين .. مريم تحمل فوق رأسها تنورها الصغير .. بينما فايزة تمروح
بيديها طلباً للهواء البارد:
- عليك بخت يا خيتى
..!.. (( زعقت مريم )) .
- حويته وخميسة يا
حنّة .. فرق يدين .
ردت فايزة مناكفةً
لكن مريم قالت بصوتٍ واهنٍ وقد هدها الحر والتعب:
- إن لم تسكتى كسرت
هذا التنور على رأسك .
- ما رأيك بغزوة على
التوت ..؟.
نبرت الأخرى وقد
شدها عبق التوت المنتشر عند أطراف الحى:
- ليس وقته الآن ..
خليها فى العشية .
حين وصلت إلى البيت
كان خالها هيبة جالساً فى المنور قرب أخته وهو يتناول كوباً من الشاى الأحمر مع
خبز التنور الطازج .. سلمت عليه .. دعاها لمشاركتهما الشاى لكنها اعتذرت بلطفٍ ..
عقب خلفها :
- أنا أيضاً كنت فى
السوق لكننى لم أرك ..؟.
توقفت عند عتبة
الغرفة :
- هذه هى عودتى من
هناك .
- ياربِّ سوق زاحم
.. أمواجٌ من البشر حينما ترينهم يا سدينا تستغربين أين كان كل هؤلاء الناس ..؟.
- كيف حال خالتى
مبسوطة ..؟. ألم تروا منها أحداً ..؟.
- ييه .. نسيت
إخباركم .. لقد رجعوا إلى البيضاء .
- صحيح ..؟.. ((
قالت سدينا )) .. متى رجعوا ..؟.
- أمس كنت عندهم فى
المنصورة .. لقد استأجروا بيتاً هنا وأظنهم سينتقلون خلال يومين .
إرسال تعليق