- عطك ثردة .. ما زلت ما كمّلتِ ..؟.
- ما زلت .
قالت فايزة وهى
تحاول ضبط أنفاسها وقد تفصد عرقٌ غزيرٌ على جبينها وتضمّخت يداها برغوة الصابون ..
جلست مريم تساعدحا فى غسل الصحون .. ثم أخذتا قصعتين من المعدن وخرجتا تقصدان
أشجار التوت التى كانت تنهض سامقةً فى الطرف الشرقى من الحى .. وقليلٌ منها كان
متناثراً هنا وهناك .. كانت العناقيد الصغيرة تتدلى من الغصون بلونيها الأبيض
والأحمر كقناديل سحرية .. ينعكس عليها نور الشمس فيخالها المرء مضاءةً .. التوت
كان فى بداية نضجه .. خلو الأشجار من أفواج النحل يدل على ذلك إذ لو كان كامل
النضوج لكان من العسير الوصول إلى العناقيد .
قفلتا راجعتين بعدما
ملئتا قصعتيهما بشفاهٍ محمرةٍ من رحيق التوت .. دلفتا وهما تغطيان شفاههما خجلتين
.. تزقزقان بضحكاتٍ صغيرةٍ .. دخلتا المطبخ .. بذلتا جهداً كبيراً فى إزالة الأثر
.. إستخدمتا الصابون السوسى .. حكتا شفاههما بشدةٍ :
- هل زال ..؟.
سألت فايزة رفيقتها
بقلقٍ بدا واضحاً حين نادى أبوها طالباً الماء .. هزت الأخرى رأسها نافيةً وهى
تحاول أن تكبح جماح ضحكةٍ لعينةٍ فتعقد فايزة حاجبيها وتلكزها فى جنبها بمرفقٍ
مدببٍ .
عادت مريم إلى
المنزل لتجد سيدها قد أحضر لحماً وخضاراً وفاكهةً .. كانت الأكياس مكومةً بالمنور
وكان هو يجلس على طرف الحصير يدخن لفافةً .. فطنت لنفسها فالتقطت طرف المحرمة
وكممت به فمها فيما اتسعت حدقتا الرجل
مستغربتين تصرفها
لكنه لما لحظ قصعة التوت أدرك السبب فابتسم وأطرق حتى يرفع عنها الحرج .
بدأت بنقل الأكياس
بمساعدة والدتها برأسٍ منكسةٍ .. هتف الأسطى بصوتٍ عالٍ :
- أريد عشاءً فاخراً
الله يْربحكن .. الكبانية عندى الليلة .
زحرت سدينا بخفوتٍ
.. لم يفطن لها الرجل فى حين ابتسمت مريم .. بينما كان سعدٌ وسعيدٌ يتدافعان على
الـ(( دّلاعة )) الخضراء الكبيرة .. زجرتهما سدينا .. زعق الأسطى:
- عطيهم يا حنّة رزق
بوهم .
- كريم هو ..!..
بكرة تقعد تزحر وتقول ماذقتهاش .
نهض .. طأطأ على
البطيخة وهو يطلب إلى مريم أن تحضر له سكيناً .. قطعها إلى نصفين .. بدت شديدة
الحمرة .. قال ممازحاً امرأته :
- أرأيت ..؟.. هذا
دليل الكرم .. دلاعة حمرة تقول ولية نصرانية .
قطع ثلاثة أيراجٍ
صغيرةٍ .. مد لكلا الولدين برجاً .. تربع وهو يأخذ الصغيرة إلى حجره ويطعمها فى
حين انصرف الصبيان إلى الخارج .
... كانوا أربعةً
متحلقين فى المربوعة حول الـ(( كارطة )) ..
محمدٌ والغراب وعمر
وبو حويل .. بينما مراجع ومفتاح الأقطع الذى أحضروه رغماً عنه يجلسان على الطراريح
يتحدثان :
- الحمد لله على كل
حالٍ يا مفتاح .. ما زالت صحتك كويّسه .. وما دمت قادراً على العمل هذه بحد ذاتها
نعمةٌ كبيرةٌ .
- الحمد لله .. نسأل
الله فقط ألا يحوجنا لأحد .
- آمين يا رب .
- من يسمعك يظن أنك
تريد أن تودع ..!.. (( تدخل بو حويل مناكفاً )) .
- الموت مى غايبة
على حد .. (( رد مفتاح )) .
- ألعب .. ألعب ..
دعهما وشأنهما .
قال حمد الغراب وهو
يصفع ورقةً على الأرض ضاحكاً فيما بهت بو حويل وصرخ عمر فى وجهه :
- خليك مع الكارطة
عطك عصيدة .
صار كل شىءٍ جاهزاً
.. الشربة والرز المرشوش بالحمص والكاكاوية والكبدة والبصل المقلى .. طرقت مريم
على الباب فنهض محمدٌ فيما كانت سدينا تجلس فى حجرة الأولاد التى يتخذونها فى
النهار غرفةً للجلوس خلف العدالة .. تصر على أسنانها غضباً من شغب ابنها سعد ..
لكنه لما سمع همس والده مع مريم انكمش متظاهراً بالبراءة .
إرسال تعليق