إن رؤية
العفريت بشخصه لأقل قبحاً من رؤيته ثائراً فى صدر إنسان .
الشاب جودمان براون –
نثانيال هورثون
(1)
عاد الأسطى وأسرته
إلى البيت والحى بعد غيابٍ دام أكثر من شهرين .. فقد أتم الرجل بناء الجدران وترك
المرحلة التالية لأسطى جديد .
حين وصلوا كان الوقت
مساءً .. وكان الفضاء عبقاً برائحة التوت .. إغتسلوا واحداً بعد آخر .. الأسطى ثم
زوجته .. بعدها حممت مريم الأطفال .. وبعد العشاء إستحمت هى وتهالكت فى فراشها
وكأن كل مفاصل جسدها قد ارتخت وانحلت .
فى الصباح تدفقت
النساء على منزل سدينا .. كانت مريم تعد نفسها للذهاب إلى صديقتها .. وكانت تتشهى
قطف التوت .. رائحته كانت تملأ أنفها .. ولسانها كان يسترطب لتذوقه .. وصلت هنية
أولاً ثم حضرت الحاجة مرضية صحبة خديجة .. وبينما هن يتناولن فطورهن قدمت ناجية
وابنتها .. فرحت مريم أيما فرحٍ برؤية رفيقة طفولتها الشقية وشبابها التعس ..
النساء كن يجلسن تحت ظلال الزنك بالمنور .. سعدٌ وسعيدٌ خرجا للعب مع أطفال الحى
.. والصغيرة قمرة كانت تحبو على الأرض الإسمنتية .. تنهض مع الجدران .. تمشى بوجلٍ
فرحةً باكتشافها الجديد ثم تسقط على الأرض على عجيزتها تقع لكنها تقوم من جديدٍ ..
تحبو .. تقف مستندةً على الحيطان .. ثم تسقط مجدداً .. بينما مريم أدخلت
فايزة إلى الـ((
مربوعة )) .. نسيت حتى أن تضيفها وهى تروى لها كل الأحداث من لحظة رحيلهم حتى ساعة
عودتهم .. ابتداءً من حصد الزرع إلى الـ(( جّلامة )) ثم موسم جنى العوينة ومن بعده
العنب والخوخ الذى بدأ منذ أيام .. ولم تنس كذلك أن تقص عليها ما حصل من تطوراتٍ
بعد أن قال القاضى كلمته بشأن القضية التى رفعها أبوها :
- مكثنا هنالك
أياماً .. ثم أخذنى خالى بو شعراية إلى بيت أبى .. لم نجده .. إستقبلتنا زوجته
بحفاوةٍ بالغةٍ .. أعدت لنا الـ(( عصيدة )) وأرسلت إلى أختىّ زينب وخديجة وعمتى
مقبولة زوجة أبى الأولى .. ثم جاء أخى (( مْعيْتيق )) فأرسلته إلى والدى الذى كان
مع الغنم .. كانت أمسيةً رائعةً .. أمسكونا على العشاء لكن خالى اعتذر .. وأنا كنت
خائفةً من أن يتمسكوا بى وتكون تلك بداية لمرحلة بقائى عندهم........
- هذا تطورٌ جميلٌ
.. كل هذا حصل ..؟.
- ييه .. (( قالت
وهى تعض شفتها السفلى )) .. هابا عليك عقل .. حتى كباية امية ما جبت لك .
- أقعدى ما نبى شى .
- لا يا حنّة .. بيش
بكرة تْعايرينى وتقولى بخلت على .
غير أنها ما كادت
تنهض حتى جاء صوت ناجية منادياً على ابنتها .. خرجت فايزة لتجد أمها واقفةً عند
الباب ومعها باقى النساء .. انتهزت مريم فرصة انشغالهن ببعض الحديث لتهمس لفايزة :
- إسمعى .. لماذا لا
نجرى سباقاً ..؟.
- حول الغسيل ..؟.
- نعم .. بعد الغداء
سنرى من تنتهى من ترتيب بيتها أولاً .. والتى تكمل أولاً تقصد الأخرى لتساعدها .
ضحكت فايزة وقالت :
- تريدين إرجاع
الأيام الخوالى ..؟!.. منذ متى لم نفعل ذلك..؟.
هزت كتفيها :
- لا أذكر بالضبط ..
منذ زمنٍ طويلٍ .. لن نخسر شيئاً .. نتسلى ثم نذهب لقطف التوت .
إرسال تعليق