الرئيسية » , , » امرأة خاصمها القدر - القسم السادس عشر (( 5 ))

امرأة خاصمها القدر - القسم السادس عشر (( 5 ))

بقلم : صالح سعد يونس - نشر فى : الجمعة، 6 مارس 2020 | الجمعة, مارس 06, 2020

بكت سدينا وهى تخلع الجرد وتجلس على الحصير فيما هبت الحاجة شعيلة لتحضر لها الماء .. تراجع الأسطى تاركاً لها المجال لتبكى على مهلٍ وتتخلص من بعض ما يخنق قلبها فى حين جلس العيال يرقبون أمهم بعيون امتلأت بالدمع وفاضت بألف سؤال ؟ .
رشت العجوز الماء على وجه المرأة وهى تقول متلعثمةٍ جراء امتزاج مشاعر الفرح والحزن معاً :
-      لا تخافى يا بنيتى .............
غير أنها واصلت البكاء ما دفع بالحاجة لأن تصرف الأولاد ليلعبوا فى الخارج وجلست تربت على كتفها وتواسيها .
توضأ محمد للصلاة وصلى الظهر ثم رفع يديه شاكراً ربه قبل أن يتوجه إلى شرفة المربوعة ويجلس مسنداً ظهره إلى جدارها وهو يدخن سيجارةً ويفكر بالذى جرى خلال الأيام القليلة الماضية .
لقد رفض والد سدينا عودة ابنته إلى بيت زوجها .. رفض بشدةٍ وانتصب بجسده الطويل المعوج وقال بلهجةٍ حادةٍ شحذ فيها كل مشاعر الكره :

-      بنات الناس لسن لعبةً فى يدك أتحسبها سائبة ؟ .. إن وراءها رجال .. والله لولا الخشية من أن يتهمنى الناس بالجنون لكان لى معك شأن آخر .. اسمع كلمة ليس عندى سواها .. لا بنت لدى لأعطيها لك .
تدخل مراجع محاولاً تهدئة الشيخ :
-      وسع بالك يا حاج زبيطة .. لا أحد معصومٌ من الخطأ ولا بأس من بعض المرونة مادام قد عرف خطأه .
-      لست أنا من يتساهل .. كلمتى قلتها ولا أملك غيرها .
-      أنت بهذا تردنا يا حاج وكأنك تطردنا ! .
صاح حمد الغراب عاقداً حاجبيه فاستدرك الشيخ :
-      أنتم ضيوفى ما دمتم فى بيتى ولكم أن تسألوا ما شئتم غير هذا الأمر .
نهض الأسطى منتفخ الوجه محمر العينين من شدة الغيظ .. أمسك به مراجع لكنه دفعه بعنف وخرج .. تبعه الرجلان ولكنهما خابا فى إقناعه بالتروى .
وخلال تلك المحاورة الطويلة وحتى بعدها لم يجرؤ أى من أبناء الحاج زبيطة ولا بناته على التدخل صراحةً فى الموضوع .. وفى الصباح التالى ذهب بو شعراية وهيبة إلى شقيقتهما وحدثاها بما جرى .
لم تبك سدينا وردت بعناد :
-      إسمعانى جيداً .. أنا لم أوافق على الرجوع لأجل نفسى بل من أجل هؤلاء .. (( وأشارت إلى الأطفال الجالسين فى طرف الصالة )) .. ما حصل هو مكتوب ولا دخل لنا فى تغييره .. ولكن مثل هذه الأمور تحدث دائماً وكل إنسان يخطىء .. هل يرضيكم ما أنا فيه من عناءٍ وشقاء .. (( إختنق صوتها )) .. والله إن هذه القروش التى أجمعها من الوظيفة لا تكفى حتى لإطعامهم خبزاً حافاً .. أين هو أبى خلال سنتين مضتا ؟! .. إنه لم يزرنى ولا مرة .. ولا مرةً كلف خاطره وأحضر لى أو أرسل للأولاد شيئاً ! .. على من أستند هاه ؟ ..قولا لى بالله عليكما .
-      نعرف يا سدينا كل هذا ونحن إنما جئنا لنقف معك ولكنك تعرفين أباك .
قال بو شعراية بلكنةٍ هادئةٍ ولكنها ردت بصوتٍ أكثر حدة:
-      بوى واعر وشديد ولكنه شديد القسوة ليس لديه قلب .. إسمعا ما سأقوله وأبلغاه بذلك .. أنا لا يهمنى شىءٌ غير مصلحة أولادى ولن أرض بأن تستمر حياتهم بهذا الهوان وهذا الفقر وكأنهم أيتام .. والدهم ما زال حياً وأبى لم يقف بجانبى فى محنتى ولم يزرنى حتى فلا سلطة له على .. أنا امرأة عاقلة والناس والجيران كلهم يشهدون بأنى امرأة عصرانة .. إذا لم يوافق والدكما فسأشكوه للقاضى .
-      تشكين أباك .. من جدك ! .
رد هيبة بحاجبين معقودين وعين مغمضةٍ بفعل خيط الدخان الذى كان ينبعث من اللفافة :
-      من جد جدى واللى فيها فيها .. يريد أن يغضب على فليفعل .. وماذا جنيت من رضاه ؟! .
-      وسعى بالك .. (( قال بو شعراية )) .. لن تصل الأمور إلى هذه الحد .. فقد اصبرى حتى يهدأ .. سنحاول أن نقنعه .
لكن الحاج لم يقتنع وسدينا امتطت ظهر العناد وأرسلت إلى بعض أقربائها ولكنهم جميعاً فشلوا فى إقناع الشيخ .. وفى النهاية لم تجد بداً من أن تذهب إلى القاضى بعد أن أرسلت إلى الأسطى ليلتقيا فى المحكمة . 
 --------------------------------------------------------------------------

صالح سعد يونس
كاتب وباحث
مؤسس الموقع
| يمكنك متابعتي على: | | | |
---------------------------------------------------------------------------

إرسال تعليق