امرأة خاصمها القدر - القسم الخامس عشر (( 5 ))

فى الصباح لفّت الدملج فى خرقةٍ سوداء ووضعتها بالحقيبة فوق الملابس .. همّ وهو يأخذ الحقيبة من يدها بأن يسألها لكنه تراجع .

وفى الطريق مد يده للمقعد الخلفى والتقط الحقيبة .. تحسسها وهو يقود السيارة .. فتحها .. بانت عليه الصرة السوداء الصغيرة فارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ عريضة .. أوقف المركبة على جانب الطريق ليتأكد ويملى ناظريه من البريق الأخاذ قبل أن يعيده إلى عرشه ويطمره بين الثياب .. أعاد الحقيبة للخلف وانطلق وقد علت جبينه فرحة كبيرة .

مريم كانت هناك تحس بضيقٍ شديدٍ وعدم رضاً عما فعلته .. ثمة شعورٌ غريب كان يخنق فؤادها وإحساسٌ كبيرٌ بالغلط أضحى يساورها لكنها ما كانت لترده وهى التى لم ترد لأحد طلباً .. وما كانت لتكسر له كلمة وهى التى اعتادت الطاعة دون سواها !.. إحساسٌ غريبٌ .. بل هاتفٌ قوىٌ يدوى بقلبها ويزرع فى نفسها الشك والريبة .

لم تك قادرةً وهو يحاورها ويسرح بها فى مراعى الأحلام أن ترفع بصرها فى وجهه فأطرقت واستسلمت .

خرجت إلى الهضبة الغربية وتوارت عن البيت متمشيةً فى الغابة وهى تتفكر .. تدعو الله أن يستر الحال وأن يوفق زوجها وألا يفطن أهلها لشىء .. ولم تدر أنها تسير منحرفةً نحو الشمال وقد قطعت مسافةً طويلة .

قفلت راجعةً حيث كانت الشمس تتشبث بالسماء تنفث المزيد من الصهد .. وجدت عمتها جالسةً تنفخ فى الشكوة :

-      سلام .

-      سلام .. وين كنت رايحة ؟ .

قالت المرأة وهى تطبطب على الشكوة وتستخرج منها الزبدة .. وضعتها فى القدح الصينى الأصفر ثم بدأت تربط الفوهة من جديدٍ وهى تحدق بعينين حمراوين تندلق منهما نظراتٍ مريبة .. أجابت مريم وقد نبتت على جسدها الأشواك بعينين ترقبان عمتها بقلق :

-      أحسست ببعض الضيق فخرجت أطلب الهواء النقى .

ردت المرأة باستهتار :

-      وعلمك ايش يضيّق فيه يا حنة .. تخممى على ولد والا بنت ؟! .

لم تدر بما تجيب وهى تشعر برائحة العراك تفوح من كلامها وبصهد العينين الحمراوين يلفح وجهها بقوة فقررت الإنسحاب بهدوء ودلفت إلى المطبخ .

بدأت بتقطيع البصل وهى تحاصر دمعةً حارةً كانت تجاهد لتطل من مقلتيها الغائرتين وتحاول ضبط وجيب القلب المختنق الذى تعصف به دوامةٌ من القلق والحيرة . 

--------------------------------------------------------------------------

صالح سعد يونس

كاتب وباحث

مؤسس الموقع
| يمكنك متابعتي على: | | | |

---------------------------------------------------------------------------