الرئيسية » , , » امرأة خاصمها القدر - القسم الرابع عشر (( 3 ))

امرأة خاصمها القدر - القسم الرابع عشر (( 3 ))

بقلم : صالح سعد يونس - نشر فى : الأربعاء، 30 يناير 2019 | الأربعاء, يناير 30, 2019

من عندها خرج يسير مثقل الخطوات .. يهيم عبر الشوارع دون وجهةٍ محددةٍ .. حزيناً .. مضطرباً .. مشلول الفكر .. غائب الحضور .. كان مجرد جثةٍ عملاقةٍ بكرشٍ بارزٍ تتراكم عليها الهموم .. ترتدى أسمالاً باهتةً وتهيم على غير هدىً : (( ما الذى فعلته بنفسك يا محمد ؟ .. ما الذى تريده من دنياك ؟ .. أنت لم ترتكب إثماً لكنك كذلك لست بريئاً ! .. لقد أصبحت كذلك الصائم الذى اشتهى كومةً من البطيخ .. تغريه البطيخة بحجمها ونظارتها وحين يفتحها لا يروقه احمرارها ! .. أنت أيضاً لم يعجبك شىء .. تريدها كما ترغب وتنسى أن الدنيا لا تعطيك كل ما تريد .. تنسى أنك كنت قانعاً بالقليل والآن لم يعد ذلك القليل يعبىء عينيك ! .. أنت راقد ريح من يوم يومك .. بختك عطيب ومْعيشتك سوداء أم تراك مْرقِّد ريحك بيدك ؟! .. هيه يا دنيا .. الأولى أعطتنى الولد لكنها عصية على الترويض .. أتعبتنى يا رجل .. والثانية منحتنى الدفء والراحة ووهبتنى الحياة بين كفيها لكنها ............ أستغفر الله .. ما ذنبها المسكينة ؟ .. أنت أيضاً لا ذنب لك
هيه .. إلى أين تقودانى يا قدمى ؟! )) .  

انتهت حواريته الحزينة مع نفسه وأحس بالنبض يستيقظ فى قلبه حنيناً لأطفاله وهو يمر مثقلاً من أمام الـ(( شيل ))[1]القابع بمنتصف شارع العروبة .. إنزلق مع الشارع الذى يربط بين شارعى العروبة وعمر المختار .. خطواته مترددة وقلبه مضطرب وفكره سارح .. مر من أمام المستشفى لكنه لم يفطن لسيارة إسعاف مرقت من جانبه وهى تملأ بدويها الفضاء .
صعد مع العلوة الترابية .. كان يداخله شعورٌ بأن آلاف العيون ترقبه باستغراب مع أن الشارع يبدو فارغاً سوى من بعض الأطفال .
دخل من الشارع الضيق عن يساره فى آخر حى الشعبية واكن بيت سدينا آخر بيت إلا واحداً .. تبدأ بعدها مجموعة منازل ابتناها أصحابها بقروضٍ منحت لهم من المصارف .. ومن أحدها كان يطل دكانٌ صغيرٌ تزاحم أمامه عددٌ من الأولاد .. ظل يرنو إليهم عله يرى بينهم عياله غير أن التاجر فرقهم وهو يطاردهم بعصاه مردداً :
-      امشوا غادى يا فراويخ الحرام الله تعطيكم دعوة مصادفة .
وقف أما منزل مطلقته لكنه استدار ناحية الأولاد وظل يرقبهم لفترةٍ بعينين مصفرتين فيما نظرت إليه فجرية وهى تقف أمام بيتها تتحدث مع إحدى الجارات .
أدار وجهه نحو الباب وبدأ يطرق بالولاعة وحينما التفت كانت المرأة تباصره بنظراتٍ غريبة .. طأطأ وطرق مجدداً .. لقد جاء يجرجره شوقٌ كبيرٌ لأولاده .. يريد أن يحتضنهم وينتشى بروائح الطفولة من أجسادهم .. يعيد لشفتيه المتيبستين الماء بقبلاتهم وضحكاتهم .. تذكر أنه لم يحضر لهم الحلوى .. هم بالذهاب إلى الدكان لكنه تراجع (( ليس مهماً سأعطيهم قروشاً يشترون بها ما يريدون )) .
انتبه لنفسه .. الباب لم يفتح والمرأة ما زالت واقفةً تراقب .. حركت محرمتها قليلاً إلى الأمام .. انفرجت شفتاها فتناهى إليه صوتها :
-      لا أحد بالبيت .
تحرك نحوها :
-      إلى أين ذهبوا ؟ .
-      إنهم غائبون منذ أيام .. العقبة عندك .. لقد تزوجت البنية .
إضطرب قلبه وهو يسأل مرتبكاً :
-      أى بنية ؟! .
-      مريم .. أمس كان عرسها .. هل أنت من أقاربهم ؟ .
طأطأ وهم بالإنصراف وهو يرد :
-      نعم .. أظن ذلك .
قفل راجعاً بينما لم تعجبها المرأة إجابته فظلت تشيعه حتى غاب عن ناظريها .
(( هل يعقل ما سمعت ؟! .. تلك الطفلة تزوجت .. لم تعد صغيراً إذن يا محمد .. أنت شايب .. سبحان الله .. لا ندرك أننا كبرنا إلا حينما ننظر للصغار فندرك أنهم كبروا .. ولكن كيف تزوجت ولماذا لم يعلمنى أحد ؟ .. ومن أنت ليعلموك ؟ .. على الأقل لا ينسوا أنه كان لى فضلٌ بعد الله فى تربيتها ورعايتها .. أنا من رباها ورعاها وليس والدها .. كان من المفترض أن يبلغونى ولو من باب المجاملة )) .
رجع منكسراً يجرجر المزيد من أذيال الخيبة والضيق والهم .



[1] الشيل : محطة الوقود .
--------------------------------------------------------------------------

صالح سعد يونس
كاتب وباحث
مؤسس الموقع
| يمكنك متابعتي على: | | | |
---------------------------------------------------------------------------

+ آراء وانطباعات + 1 آراء وانطباعات

غير معرف
4 فبراير 2019 في 2:22 م

استمر

إرسال تعليق