الرئيسية » , , » امرأة خاصمها القدر - القسم الثامن عشر (( 1 ))

امرأة خاصمها القدر - القسم الثامن عشر (( 1 ))

بقلم : صالح سعد يونس - نشر فى : الاثنين، 1 أبريل 2024 | الاثنين, أبريل 01, 2024

(( ما أكثر القيود التى تربط الإنسان بالدنيا .. لكن أعجبها جميعاً قيد الأمل   ))

تاجور



-      دعى عنك كل شىء .. إذهبى إلى غرفتك وارتاحى .

قالت سليمة وهى تلاحظ الوهن على جسدها والشحوب يخيم على قسمات وجهها .. نهضت مريم بصعوبةٍ وهى تمسك ببطنها المندلق أمامها .. إستلقت على فراشها .. حاولت إغماض جفنيها لكن سكاكين تمزق أحشاءها وبراكين تتدفق من حلقها وعرقٌ غزيرٌ يتسربل على جبينها في جوٍ صيفىٍ شديد الحر .

دخلت عليها الصغيرة  " سالمين " ذات السنوات الثلاث وجلست عند رأسها حاملةً عروسها الخشبية التى كانت مريم قد صنعتها لها قبل أيام .. إبتسمت لها ثم أطبقت جفنيها مستعيدةً ما انقضى من أحداثٍ خلال ما مضى من شهور .

كانت تلك أولى صدماتها حين أخبرها فتحى بأنه قد أضاع الـ (( صنيبرة )) .. لقد علقت عليها الحلم الذى طالما انتظرته لكنها لم تجد غير أن تسلم أمرها لله وهى في شكٍ مما يقول .. لم تعد قادرةً على الوثوق في كلامه ووعوده لكنها كذلك لا تملك غير أن تومىء له مجاملةً .

ثم بدأ الشتاء فكان أقسى شتاءٍ تعيشه في كل حياتها .. إذ كان عليها النهوض حين تتبارى الديكة بصياحها معلنةً انبلاج الصبح .. وحين يغلبها النوم بسبب تعب جسدها وثقل حملها كان يأتيها صوت الحاج بن على وهو يقف بالحاجر الذى يتوسط الحوش كله مستنداً على عكازه ويصيح مردداً عبارته المزعجة للجميع :

-      ثوروا ياهوه النهار راح .

تتناول معهم الفطور ثم حين ينصرف كلٌ إلى شأنه تبدأ طقوس رحلتها النهارية المضنية من ورود البئر وحمل قربة الماء إلى الكنس وشطف الأرضية الإسمنتية المرهقة عدة مراتٍ في اليوم بفعل الوحل الذى تأتى به الأقدام الداخلة .. إلى طهو الطعام ومجاملة هذا وذاك .. لكنها صبرت واحتملت ولم تشتك يوماً ولم تند عنها آهة تعبٍ أو مللٍ .

أحست بيد الصغيرة تداعب وجهها وتمسح عنه العرق .. ابتسمت لها وتذكرت ما كانت تقوله خلال الشهور الماضية حين تسألها النساء في الأمسيات وهن يتحلقن حول شاى العصر أو العشاء :

-      ماذا ستنجب مريم ؟ .

فتجيب وهى تعض إصبعها وتحدق بمريم بخجل :

-      ستنجب ولداً .

-      ولد .. وماذا نسميه ؟ .

-      نسميه صابر .

فترد سليمة باستهزاء :

-      الصبر من الله .. لا أحد في العائلة يسمى صابر ! .

غير أن الصغيرة كانت دائماً تردد الجملة ذاتها والإسم ذاته فقرروا إذن أن يسموه صابر إذا كان ولد وصابرة إن جاءت بنت .

أحست باختناقٍ شديدٍ وتحسست العرق الذى انهمر غزيراً يغسل رقبتها .. مسحته بخرقةٍ كانت بيدها ثم نهضت تطلب بعض الهواء بينما الصبية تتبعها خطوةً بخطوة وسليمة ترقبهما بصمت .

 

---------------------------------------------------------------------------------------------------------


صالح سعد يونس
كاتب وأديب ليبى
مؤسس الموقع
| يمكنك متابعتي على: | |
---------------------------------------------------------------------------------------------------------

إرسال تعليق