الرئيسية » , » مصطفى جمعة وحلمه الأخير

مصطفى جمعة وحلمه الأخير

بقلم : صالح سعد يونس - نشر فى : الاثنين، 13 مارس 2023 | الاثنين, مارس 13, 2023

 

الكاتب : مصطفى جمعة

الحلم الأخير .. هى باكورة الإنتاج الأول للأديب مصطفى جمعة .. والتى ضمت بين حناياها خمسةٌ وأربعون نصاً هى مزيجٌ من الشعر والقصة والنثر .

قدم لهذه المجموعة الأستاذ مشعل العبادى حيث يقول : (( يكتب هنا مصطفى جمعة كلماتٍ كجيادٍ تصهل .. فتمر امرأةٌ عبر الذاكرة لتنفتح أمامنا نصوص كمرايا رائقة منسابة .. كمسيرة نهر .. بصدقٍ وحرارةٍ وبحس عاطفى .. وهذا ما يلمسه القارىء عندما نصوصه ......... )) .

ويفتتح مصطفى جمعة نصوصه بمقدمةٍ قصيرةٍ يقول فيها : (( لماذا نكتب عن المرأة والحب ؟ .. هكذا ينتقدنا البعض وأحياناً بقسوةٍ لا مبرر لها قائلين إن من ينحون هذا المنحى يرسفون في الشهوة والغريزة .. بينما هناك قضايا أهم وأعقد وهى أولى أن تتناولها كتاباتنا ........ )) .

ويختتم افتتاحيته مؤكداً : (( فموضوع المرأة والحب هو أحد مصادر الإبداع التى شكلت ولا تزال تشكل جزءً كبيراً من التراث الأدبى الإنسانى )) .

ولعل الحيرة في تصنيف هذه النصوص لم تقتصر على الكاتب وحده بل طالتنا نحن القراء كذلك فلا هى بالقصص القصيرة بمفهومها ومعناها واشتراطاتها ولا هى بالشعر كذلك .. فهى مزيج بين هذا وذاك نكتشفه مع قراءاتنا لأول نص في المجموعة وهو (( امرأةٌ تعبر ذاكرتى وتمضى )) فهى قصةٌ يغلب عليها الطابع الشعرى .. أو هى قصيدة في ثوب قصة .. تبدأ بـ(( أنا )) وهى الذات التى يسكن فيها الوجع ويتمدد في جوفها لئيماً .. ونشهد الجدار يتكرر والأنا مازالت تبحث عن ثقب فيه .

الأنثى هى الأساس .. والحب هو السياق .. ونشهد التقاء ثنائية التضاد (( النور والظلام )) كما نحس بالوجع يتمدد ولكن الحلم دائماً رفيق .

وتتكرر ثنائية الضوء والظلام في نص (( أشياء )) .. هذا الظلام متمثلاً في الدفن بلفظه ومعناه .. كما الوجع متمثلاً في الوحشة بلفظها ومعناها .. ونحن كما يقول نلملم أشياء .. ولكن في النهاية تودعنا السحائب وتتركنا نحن والأشياء كأشياءٍ لا تشبه الأشياء ! .

وفى (( زحام )) يتصور لنا الماضى كعجوزٍ منعزلٍ يعزف ناياً حزيناً فيما الحاضر يهوى الصخب .. وأعجب من مقدرة الكاتب على فصل الماضى وعزله عن امتداد الحاضر .. وكل شىءٍ يبدو شاحباً .. والمدينة تعيش في زحام .. ترتدى شوارعها الحزن القاتم .. وفى انتظار الصباح تبرز الأنثى ثانيةً فالصباح معلقٌ لا يأتى .. وهى كذلك لا تأتى .

وعندما نصل إلى (( انتحار موجة )) نطل على ذروة ما كتبه الشاعر وإلى خلاصة تجربته خصوصاً حين يقول :

-        - ها هى تبتسم في أوج نشوتها ..

   للحظات هى عمرها الوحيد ..

   الذى منحه إياها الغروب ..

   قبل أن تذوب في صخب الهدير ..

   وتتبدد ماءً ..

   على رمال شطئآن جسدى ..

   ورذاذاً في وجهى ..

   وملحاً في شفاه ذاكرتى ..

ومن جديد تبرز ثنائية الضوء والظلام في (( رسالة إلى الحزن )) وهما المتضادان المتلازمان وكأنهما في صراعٍ أبدى لا ينتهى ولن ينته . 


 

ولعلى أتفق مع الأستاذ مشعل العبادى في أننا نلمس ونرى سيطرة نبرة الحزن في نصوص مصطفى جمعة كافةً .. وهو ما يتأكد لنا كرةً أخرى في نصه التالى (( كانت )) المثخن بالجراح والآلام .. غير أن هذا الإحساس المفرط أنتج لنا واحداً من أروع نصوص المجموعة .

ونكاد نقتنع حينما نكتشف في (( الرحيل )) حيث يبلغ الألم منتهاه والحقيقة تتكشف بوضوحٍ بأننا أشجارٌ لها القدرة على انتزاع نفسها مهما تعمقت جذورها .

وفى (( صديق )) ندرك أنه كم هو مؤلمٌ أن تصدمنا الأيام بأقرب الأصدقاء فيغادرون مباهج حياتنا القليلة .. يغادرون كيفما اتفق .. فبعضٌ يغيبه الغياب .. وبعضٌ تغيره مفاتن الحياة وتغريه .. ولكن في النهاية ينفرط عقد الصداقة كمسبحةٍ ويتناثر .

وفى نص (( بعيد )) تتجلى ذروة الحب والبوح الجميل في حضرة العشق وحضور القصيد .. وفى (( أنا وأنتِ )) رفيقان لا يفترقان .. لا يلتقيان .. وكأنهما خلقا للغياب ولتجرع مرارة حبٍ  لا يثمر ! .

لقد راقنى جداً نصه (( في الطريق إليكِ )) .. ولعلى أقول إن ذروة الجمال فيه خاتمته عندما يقول :

-          - بالجفاء طيورك المذعورة أبداً .. ومسافاتك الممتدة أبداً .. ولياليك المظلمة أبداً ........................

وتتجلى طقوس الحب الممزوج بالفقد حينما يختتم بالقول :

 -        أمضيتُ عمرى في غيابك بلا وطن .. كناىٍ بلا صوت وكمانٍ بلا وتر .. وشجرةٍ سلب منها الاخضرار .. ورويداً رويداً .. ماتت خطواتى في الطريق إليك .

هنا نلمح الأمل يخطو لكن نظرةً سوداويةً متشائمةً وشعورٍ عظيمٍ بالفقد والألم دائماً يطغيان على كل جميل .

وفى (( المساء )) يبلغ اليأس مداه فيخفت الأمل الذى كان ينبجس ويطغى الوجع والفقد .. فالخطوات هنا لم تمت لكن الطريق ومعالمه قد ضاعت ! .

وأما (( الليل )) فهو نص قصصىٌ صريحٌ لكنه يصطبغ بالألوان ذاتها وبالأفكار نفسها وبالأسئلة التى تتوالد في نفس البطل دون إجابات .

نصٌ يختلط فيه الخوف والترقب والتوجس الدائم من كل شىء .. ويظهر فيه النقيضان الأبديان وإن بدا النور خافتاً خجولاً حيث يرى البطل شبح رجلٍ يتبعه .. أو هو يظهر في الظلام فيما طوفان الأسئلة يعصف برأسه .. وكلما ازداد ضوء القمر سطوعاً ازداد شبح ذلك الرجل ابتعاداً ! .

وتتجلى كل معانى الخيبة في (( موت في الزمن الماضى )) ولكن الحلم دائماً ما يكون رفيقاً جيداً حتى في أقسى لحظات الخيبة وأشدها .

 هى قصةٌ رائعةٌ كتبت بأسلوبٍ ممتلىءٍ بالتصوير المدهش لحالة الخيبة التى يعيشها ذلك الكهل في غرفته الكئيبة .. يقتات على الحلم وبعض الضوء الذى يتسرب من نافذتها المهترئة وهو ما يجعله حياً .

كل شىءٍ غاب حتى أنه لا يذكر منذ متى وهو هنا في هذه الغرفة التى تشبه الكهف .. ولكن الحلم يتجلى من خلال أصوات .. ضحكات .. وجوهٍ صغيرةٍ باسمة .. عشبٌ أخضر .. بحرٌ أزرق .. سريرٌ وثير .. وحضنٌ دافىء .

ذلك الحلم الجميل هو ما يبعث في نفسه الدفء غير أنه في النهاية يعود إلى خيبته .. وإلى واقعه البائس .. لتظل مقلتاه محدقتين في نقطةٍ وسط ذلك الفراغ الهائل الذى كان يبتلع روحه .

أما في (( انتحار )) فإن الأمر يتجاوز الخيبة ليصل إلى حد الإنكسار .

حقاً .. لقد استمتعت بقراءة هذه المجموعة الرائعة التى هى بلا شكٍ عصارة جهدٍ شاقٍ وقراءاتٍ مكثفةٍ وتجارب مليئةٍ بالأفراح والانكسارات والآمال والخيبات .. مجموعةٌ لا شك أنها تشكل إضافةً رائعةً ومميزةً لعالم الإبداع الأدبى والفكرى في بلادنا .


---------------------------------------------------------------------------------------------------------


صالح سعد يونس
كاتب وأديب ليبى
مؤسس الموقع
| يمكنك متابعتي على: | | | | | | |
---------------------------------------------------------------------------------------------------------

+ آراء وانطباعات + 4 آراء وانطباعات

13 مارس 2023 في 7:45 م

شوقتنا

غير معرف
25 مارس 2023 في 9:01 م

🏆🎑✨ جميل جدا ما نثرت 🥀✨🥀 من كلمات ومعانى ✨🎑🏆

yara yosof
25 مارس 2023 في 10:01 م

رؤؤؤؤؤؤؤعات

Ashwaq arabi
27 مارس 2023 في 9:16 م

رؤؤؤؤؤؤؤؤعات

إرسال تعليق