الرئيسية » , , » امرأة خاصمها القدر- القسم السادس عشر (( 3 ))

امرأة خاصمها القدر- القسم السادس عشر (( 3 ))

بقلم : صالح سعد يونس - نشر فى : الاثنين، 2 مارس 2020 | الاثنين, مارس 02, 2020

ألقى السلام يميناً ثم شمالاً ثم نهض ليحتسى كوباً من الشاى ويدخن سيجارة محاولاً ترتيب أفكاره .. بينما نهضت والدته وانصرفت إلى بعض شؤونها .
لقد خرج من المستشفى قبل يومين بعدما مكث فيه خمسة أيام .. وخلال مدة وجوده هناك زارته أمه فى اليوم الثالث ومعها الأولاد .. وفى اليوم الذى يليه جاؤوا قبل حضور أى أحد آخر للزيارة ولكنه استغرب فسألهم : 

-      مع من جئتم ؟ .
-      مع أمنا (( قال ابنه الأكبر )) .
طرق قلبه حينذاك بقوة .. أمعقول هذا ؟! .. أردف وهو يخشى أن يدركوا ما اعتمر بنفسه :
-      أين هى أمكم ؟ .
-      إنها تنتظرنا بالخارج .
تفكر قليلاً ثم أشار إلى الولد الأكبر وهمس فى أذنه :
-      قل لأمك أن تعد لى قليل من الشربة .. طعام المشفى سىءٌ جداً .. لا تنس هاه .
وفى اليوم الخامس تدفقت عليه كما العادة أحب أنواع الأطعمة من الأقارب والأصدقاء فهذا كسكسو باللحم الوطنى وذاك محشى وتلك شربة .. ولكن عياله دخلوا عليه أيضاً وهم يحملون حافظةً بها ما كان قد طلبه بالأمس .. كان يداعب أولاده ويشتم رائحة أبدانهم وينسم فى أجسادهم رائحة طليقته ويرى رجاءها فى عيونهم ويستطعم أيام العمر الضائعة فى شربتها .. ولكنه حين انتهت الزيارة وذهب الأولاد تمدد فى فراشه تتنازعه المشاعر .
نظر إلى السرير المقابل حيث يرقد شيخٌ كبيرٌ ثقيل السمع .. قام من سريره وحمل الطعام وطلب من ذلك الشيخ أن يشاركه الطعام .
استفاق من شروده ليجد رماد التبغ تساقط على جلابيته .. نفخه بقوةٍ ثم نادى على أمه التى كانت تغسل رداءها .. حضرت بظهرها المعوج ويدين مخضبتين برغوة الصابون السوسى .. قال لها وهو يعدل من جلسته يشعل لفافة :
-      تعالى .. إجلسى .. أريد أن أستشيرك فى أمر .
-      خير ان شاء الله .
-      خير .. خير .. أفكر بإرجاع أم الأولاد .. ما رأيك ؟ .
تفاجأت العجوز .. غمرتها الفرحة وهى تهتف :
-      يا ريت يا وليدى والله ما أبركها من ساعة .. تعمل طيب فيها وفى هالعويلة .
-      الحق أنها امرأةٌ أصيلة .. لقد زارتنى بالمستشفى .. أقصد .. أ .. لم تزرنى هكذا عينى عينك ولكنها أحضرت الأولاد وأعدت لى طعاماً كنت أشتهيه وبقيت هى تنتظر فى الخارج .
-      أشهد انها امرأة عصرانة وطيبة وتقدر الظروف .. المرأة التى تطبخ من البصلة أربع وجبات لن تجد كمثلها أبداً .. كونها واعرة فهذا ليس بالعيب الكبير .. هكذا هى الحياة واحد يشد والثانى يرخى .. نعم إفعل .. أرجعها واكفى نفسك وعيالك الشقاء .. القزن واعر وانت بروحك مجربه .
-      أى والله صدقت .. القزن واعر .

أحس بارتياحٍ كبيرٍ فهب واقفاً وأخرج من الصرة المركونة فى زاوية الحجرة علبةً صغيرةً ملفوفةً فى قماشٍ مزركش .. فتحها وأخرج منها عدة الحلاقة .. ثم جلس ليحلق غابةً من الشعر نبتت على ذقنه وتشعبت بعبث . 
 --------------------------------------------------------------------------

صالح سعد يونس
كاتب وباحث
مؤسس الموقع
| يمكنك متابعتي على: | | | |
---------------------------------------------------------------------------

إرسال تعليق