الرئيسية » , , » امرأة خاصمها القدر - القسم الحادى عشر (( 1 ))

امرأة خاصمها القدر - القسم الحادى عشر (( 1 ))

بقلم : صالح سعد يونس - نشر فى : الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014 | الثلاثاء, نوفمبر 18, 2014

(( إن جنة الفقراء لن تكون على هذه الأرض ))
توفيق الحكيم – عصفور من الشرق

-      مريم .. مريم .. نوضى يا بنية النهار راح .
كذلك كانت سدينا توقظ ابنتها ممتعظة .. تململت الفتاة .. تظاهرت بالإستيقاظ وحين خرجت أمها سحبت الغطاء مجدداً وانكمشت طلباً للدفء 
شهقت المرأة وهى تصيح :
-      انت يا بنية .. نوضى المرقد ما نفع الأبساس !! .
نهضت البنت مغضبة .. غسلت وجهها سريعاً .. إلتقطت كيس الخبز المصنوع من بقايا شوال والذى طرزت عليه بعض الورود من السلك الملون .
قصدت المخبز المحصور بين بيتين فى الشارع الرئيسى الذى يمتد شمالاً ثم ينحدر حتى يتصل بالشارع الكبير .. فيما بدت الشوارع مبللة واعتمرت الطرقات ببرك المياه .
كانت طوابير تقف أمام الباب الحديدى ذا الفتحة الصغيرة فى وسطه على شكل نصف دائرة .. وقفت بعيداً .. كانت ستنتظر حتى نهاية الطابور لولا أن نادتها عجوز تتدثر بجرد بنفسجى ذا خطوط بيضاء متصالبة .. إقتربت .. كانت مريم ترتدى فستاناً صوفياً داكن الزرقة وتعصب رأسها بمحرمة سوداء عليها ورود حمراء وبرتقالية .. أشارت إليها العجوز بأن تقترب فيما امتزجت الغيوم الحبلى ودوى من بعيد هزيم الرعد معربداً :
-      إقتربى .. أدخلى هنا أمامى .
دخلت مريم أمام العجوز التى نبرت مستدركة :
-      دوتك هذى عطيبة فهذا الطابور لن ينته والخباز لن يأت إليك بالخبز ! .
-      أخجل من مزاحمة الرجال يا عمتى . (( ردت بخفوت )) .
-      طابور الرجال هناك .. هيه .. لا أطيب من خبز التنور ولكن هذا وقت وهذاك وقت .. كنا فى وسع وكنا نرموا فى خبزتنا بأيدينا .. لكن الآن .. التنور ما عنده وين يصيغ فى ها البونية[1] ! .
بدأ المطر يتساقط .. إزداد غزارة .. صار خيطاً واحداً فالتصق المتزاحمون ببعضهم اتقاءً للمطر .
رجعت وقد طالها البلل فوجدت أمها وأخويها ينتظرونها وقد بدلوا ملابسهم وجلسوا حول العدالة :
-      لماذا تأخرت ؟ .
-      الكوشة زاحمة .
سكبت المرأة بعض الحليب فى الأكواب ووضعت عليه الشاى الساخن الممزوج بنكهة التفاح البرى .. تناولوا فطورهم ثم خرجوا .. حكت مريم عينيها ونهضت حاملة سفرة الفطور إلى المطبخ .. حملقت فى التنور القابع فى الزاوية وقد غطى بصفيحة صدئة .. قالت بصوت مسموع :
-      الله الله .. راحن ايامك !! .
إستلقت إلى جانب الصغيرة النائمة وهى تحدق بوجهها البيضاوى الذى زينته وجنتان متوردتان .. أنعشها دفء أنفاسها فسحبت الغطاء وأغلقت عينيها .
كانت سدينا وولديها يحثون الخطى منحدرين مع تلك العلوة الترابية التى تصل الـ(( شعبية )) بشارع عمر المختار بينما لم يتوقف انثيال المطر .. تلك كانت السنة الأولى لسعيد بالمدرسة أما سعد فقد كان بالصف الثالث :
-      سيرا ملتصقين .. لا تفترقا .......... (( قالت لهما أمهما موصية .. ثم وهى تتجه صوب الحافلة البرتقالية )) .. إحذرا السيارات .
ظلت ترنو إليهما من فتحة الحافلة وهما يحملان فوق كتفيهما حقيبتين صغيرتين بينما انطلقت المركبة تنهب الطريق باتجاه الشرق .




[1] البونية : حضيرة الدجاج .

إرسال تعليق