الرئيسية » , , » امرأة خاصمها القدر - القسم الرابع عشر (( 5 ))

امرأة خاصمها القدر - القسم الرابع عشر (( 5 ))

بقلم : صالح سعد يونس - نشر فى : الأحد، 10 فبراير 2019 | الأحد, فبراير 10, 2019

استيقظ على آذان العصر .. توضأ للصلاة بينما وضعت الحاجة شعيلة إبريق الشاى على النار .. تلك الغرفة صارت كل شىء .. البيت بكامله اختزل فيها فأضحت منامةً ومجلساً ومطعماً ! .
صلى الأسطى العصر ثم جلس بجوار أمه منتظراً الشاى .. احتسى كوبه وأشعل لفافةً ثم فتح الراديو الصغير وصار يحرك إبرة الموجات ويتنقل من محطةٍ إلى أخرى .

أحس بالسأم فقرر أن يبدل ثيابه ويخرج .. لا يدرى إلى أين ولكن المهم أن يخرج وحين فعل توقفت أمام بيته سيارةٌ من نوع (( بيجو 404 )) سماوية اللون .. نزلت من العربة اخته (( تفاحة )) متدثرةً بفراشيتها البيضاء .. كان معها ابن عمه مراجع أيضاً .. إنفرجت شفتاه عن ضحكةٍ كبيرةٍ وترقرق الدمع بمقلتيه وهو يحضنها ويقبلها .
حاول إدخال مراجع والسائق الذى معه وألح على ذلك ولكنهما اعتذرا بشدة .. أدخل الأسطى أخته وهو يحمل عنها حقيبة الثياب ويدفعها بلطفٍ ممازحاً ويصيح بوالدته:
-      يا حاجة شعيلة جوك ضيوف .
أطلت أمه من نافذة الحجرة .. تهلل وجهها وخرجت تستقبل ابنتها وتقبلها بعنف أم لم تر ابنتها منذ مدة طويلة .. طال التقبيل وترقرق الدمع بالمآقى فهتف الأسطى:
-      خلاص خلاص .. خلن شوى لبعدين .
ثم تحرك ليجهز العدالة فقالت تفاحة :
-      خليها عنك .. تعال واجلس .
-      على اليمين ما تصير .. انت ضيفتنا والله ما ودى الا نذبحلك .
ضحكت وهى ترد مؤكدة :
-      أعرفك كريم جدا .
-      تستهزئين بى ؟ .. بأخيك ؟! .
-      لا والله فقط أردت ممازحتك .. المهم أنك طيب وبصحة جيدة .
-      الحمد لله .
جلست الحاجة خلف العدالة بينما أحضر هو سفرةً بها بعض الخبز والجبن وشرائح من الطماطم المملحة .. فى حين كانت تفاحة ترنو إلى الغرفة وتتفقد ببصرها الأوانى المصفوفة بعبثٍ فوق البلاط .. قالت وهى تمد يدها إلى السفرة:
-      كيف حالك يا محمد وما هى أخبارك ؟ .
-      الحمد لله يا خيتى .. وأنت كيف حالك وما هى أخبار (( ابناخييى )) محمد ؟ .
همت بالإجابة لكنها شرقت وبدأ الدمع ينثال من عينيها واختنق صوتها فقفزت العجوز تجلب لها كوباً من الماء وتهدئى من روعها .. تفاجأ الأسطى وصمت حتى شربت ثم قال :
-      خير ان شاء الله هل حصل شىء لا نعلمه لا سمح الله ؟! .
-      أبكى على بختى المائل .
-      وسعى بالك .. البكاء لن يفيد بشىء .
نبرت الوالدة بينما استنكر الأسطى وهو يشعل سيجارة :
-      أصبحت كالأطرش بينكما ! .. ما بك ؟ .. هل الأولاد بخير ؟ .
-      نعم بخير .. اطمئن .. ولكنى أبكى على هذا البخت .. بالأمس أمى واليوم أنا وأنت .
-      هذه إرادة الله يا فتوحة وعلينا الرضى بما قدره الله لنا .
-      أنا راضية ولكن ضربتين فى الراس يوجعن .
-      قولى الحمد لله على كل حال .
تدخلت العجوز :
-      وسعة البال كويسة يا بنيتى .. وبعدين الحمد لله نحن نعيش فى أفضل حال ولدينا منزل جديد وواسع .. وأنت ترك لك المرحوم ما يسترك أنت وعيالك ويعينكم على الحياة .. وولديك كبرا .. محمد راجل ما شاء الله ولا خوف عليه وجندية صارت عروساً .
تناول الرجل كوباً من الشاى ثم خرج وجلس أمام البيت .
بعد العشاء سهروا حتى ما بعد منتصف الليل :
-      ما هى أخبار بنغازى . (( قال الأسطى )) .
-      هى لوّلة ما تغير فيها شى .
-      بلاد كبيرة ما شاء الله .. يقولون إنها بلاد شغل وفير .
-      هنالك لا أحد يسألك من أنت .. فقط إعمل وخذ أجرك ولهذا يسمونها (( رباية الذايح )) .. ولكن قل لى ماذا تنوى أن تفعل ؟ .
-      فيم ؟! .
-      فى حياتك .. فى زوجاتك وعيالك .. هل يعجبك ما وصلت إليه الأمور ؟! .
عطست العجوز من أثر النشوق .. تدخلت :
-      دونك له إلا نا غلبنى .. قلت له يرد مراته الأولى لكنه رفض .
-      ولماذا يا محمد ؟ .. إسمع كلام خيتك وردها الله يربحك .. فكر بالأولاد .
-      على ذكر الأولاد لماذا لم تحضريهما معك ؟ .
-      محمد ما زال بالمعهد لا أراه سوى كل خميس وأما جندية فقد تركتها عند عيت مراجع .. بت البارحة عندهم واليوم اكترى لى سيارة ولكنه قال إنك تعمل عند أحدهم بالقبة[1] .
-      لم يسخر ربى فقد اختلفت مع المقاول .
تثاءب بملء فمه حتى أدمعت عيناه .. نهض لينام وهو يقول :
-      تصبحان على خير .
-      فكر بما قلته لك سلم خييى واجبر بخاطر عويلتك .
-      يستر الله .. اللى كاتبها ربى تصير .



[1] القبة .. منطقة تقع شرقى البيضاء وإلى الغرب من مدينة درنة .


--------------------------------------------------------------------------

صالح سعد يونس
كاتب وباحث
مؤسس الموقع
| يمكنك متابعتي على: | | | |
---------------------------------------------------------------------------

إرسال تعليق